علاج الوهم: فهمه وأساليبه المتقدمة للتخلص منه

الوهم ظاهرة نفسية يعاني منها كثير من الأشخاص، حيث تنشأ لديهم تصورات خاطئة أو معتقدات غير واقعية عن أمور أو أحداث أو حتى أشخاص، دون وجود أدلة واقعية تدعم هذه التصورات. قد يكون الوهم عرضًا لحالة نفسية أو اضطرابًا نفسيًا أو نتيجة لتأثير عوامل خارجية. علاج الوهم ليس أمرًا بسيطًا، لأنه يتطلب فهمًا عميقًا للسبب الكامن خلفه، سواء أكان نفسيًا، أو بيولوجيًا، أو اجتماعيًا، ثم تطبيق خطة علاجية متكاملة تتضمن العديد من المحاور.

مفهوم الوهم وأسبابه النفسية

الوهم هو حالة ذهنية تميزها اعتقاد الشخص بشيء غير حقيقي أو غير منطقي، مع تمسكه بهذا الاعتقاد رغم وجود الأدلة التي تنفيه. تختلف أشكال الوهم وتتنوع، فمنها أوهام الاضطهاد التي يشعر فيها الفرد بأنه مستهدف أو مراقب، وأوهام العظمة التي يعتقد فيها الشخص أنه ذو مكانة أو قدرات خاصة خارقة. أسباب الوهم متنوعة، وتشمل:

• اضطرابات نفسية مثل الفصام أو اضطرابات الذهان.

• تأثيرات مرضية في الدماغ، مثل إصابات الدماغ أو الأورام.

• الضغوط النفسية والاجتماعية الشديدة.

• تأثير المخدرات أو بعض الأدوية.

• الاضطرابات العصبية مثل مرض باركنسون.

فهم هذه الأسباب يساعد في تحديد نوعية العلاج المطلوبة.

التشخيص الدقيق للوهم

يبدأ علاج الوهم بالتشخيص الدقيق، الذي يشمل تقييم الحالة النفسية للمريض عبر مقابلات سريرية دقيقة، واستخدام أدوات تقييم نفسية متخصصة، مع إجراء فحوصات طبية لاستبعاد أي أسباب عضوية. يعتمد التشخيص على ملاحظة نوع الوهم ومدى تأثيره على حياة المريض، وقد يتطلب الأمر تعاونًا بين الأطباء النفسيين، والأخصائيين النفسيين، وأحيانًا أطباء الأعصاب.

طرق علاج الوهم

العلاج الدوائي

يعتبر العلاج الدوائي من الركائز الأساسية في معالجة الأوهام التي تنشأ من اضطرابات الذهان أو الفصام. تستخدم أدوية مضادات الذهان (Antipsychotics) التي تعمل على تعديل كيمياء الدماغ وتقليل نشاط النواقل العصبية المرتبطة بالأوهام مثل الدوبامين والسيروتونين.

• أنواع أدوية مضادات الذهان:

  • الجيل الأول مثل الهالوبيريدول.

  • الجيل الثاني مثل الريسبيريدون والأولانزابين.

تستخدم هذه الأدوية وفق وصفة طبية دقيقة، مع متابعة مستمرة لتجنب الأعراض الجانبية.

العلاج النفسي

يعد العلاج النفسي جزءًا لا يتجزأ من خطة علاج الوهم، ويساعد المريض على فهم طبيعة أوهامه وتعلم طرق التعامل معها.

العلاج السلوكي المعرفي (CBT)

هو أكثر أنواع العلاج النفسي فعالية في معالجة الأوهام، حيث يساعد على تعديل الأفكار الخاطئة وتحليلها بشكل منطقي. يعتمد العلاج على تعليم المريض كيفية التعرف على أوهامه، تحديها، واستبدالها بأفكار أكثر واقعية. كما يعزز مهارات التأقلم والحد من القلق والاكتئاب المصاحبين.

العلاج النفسي الديناميكي

يركز هذا العلاج على اكتشاف الصراعات الداخلية المكبوتة التي قد تكون السبب في ظهور الأوهام، ويعمل على تقديم فهم أعمق للنفس وتعديل الديناميكيات النفسية التي تؤدي للوهم.

العلاج الجماعي والعائلي

يساهم في دعم المريض من خلال تعزيز التفاهم بينه وبين أفراد عائلته، وتوفير بيئة داعمة تساعد على التعافي وتقليل الشعور بالعزلة.

العلاج البيئي والاجتماعي

تشمل هذه الطرق تعديل البيئة المحيطة بالمريض لتكون أقل ضغطًا وأكثر دعمًا، بالإضافة إلى تحسين العلاقات الاجتماعية وتقوية شبكة الدعم النفسي.

• توفير بيئة مستقرة.

• تقليل العوامل المسببة للضغط النفسي.

• تحسين تواصل المريض مع المحيطين.

العلاج التكميلي والبديل

يستخدم بعض المرضى تقنيات مثل الاسترخاء، اليوغا، والتأمل لتخفيف القلق والتوتر، التي يمكن أن تساهم في تقليل حدة الأوهام أو شدتها.

مراحل العلاج ومتابعته

علاج الوهم يحتاج إلى صبر واستمرارية، ويتطلب التعاون بين المريض والفريق العلاجي. تبدأ المرحلة الأولى بمحاولة السيطرة على الأعراض الحادة باستخدام الأدوية، ثم الانتقال إلى العلاج النفسي لتقليل الأوهام تدريجيًا. يستمر العلاج بالمتابعة الدورية لتقييم التطورات، تعديل الخطط العلاجية، ودعم المريض نفسيًا واجتماعيًا.

التحديات في علاج الوهم

• مقاومة المريض لتلقي العلاج، خاصة في الحالات التي لا يعي فيها المريض أن لديه مشكلة.

• ظهور أعراض جانبية للأدوية.

• اضطرار البعض إلى العلاج طويل الأمد.

• تأثير الوهم على حياة المريض الاجتماعية والمهنية.

الوقاية من الوهم

الوقاية تتطلب التركيز على الصحة النفسية العامة، وتقليل عوامل الخطر مثل الإجهاد الشديد، وتعاطي المخدرات، إضافة إلى التدخل المبكر عند ظهور علامات اضطرابات ذهانية.

مقارنة بين أنواع الأوهام والعلاجات المناسبة

الخلاصة

علاج الوهم عملية معقدة تتطلب تقييمًا دقيقًا لأسباب الحالة ونوع الأوهام، لتحديد خطة علاجية شاملة تتضمن الدواء، العلاج النفسي، والدعم الاجتماعي. نجاح العلاج يعتمد على متابعة مستمرة وتعاون فعال بين المريض والفريق العلاجي. بالإضافة إلى ذلك، التركيز على الوقاية وتوفير بيئة داعمة يقلل من فرص تطور الأوهام أو تكرارها.

المراجع:

1. American Psychiatric Association. (2013). Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders (DSM-5).

2. Tandon, R., Nasrallah, H. A., & Keshavan, M. S. (2010). Schizophrenia, “Just the Facts” 4. Clinical features and conceptualization. Schizophrenia Research, 122(1-3), 1-23.